شهد نظام التعليم في تركيا تحوّلًا جذريًّا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية. وقد تميزت هذه المرحلة بإحداث تغييرات عميقة في السياسات التعليمية، وتنفيذ تطبيقات مبتكرة. ومنذ عام 2002، هدفت السياسات المتّبعة إلى تعزيز البنية التحتية للابتكار، وزيادة فرص المساواة في التعليم، ودعم التعليم المهني، والارتقاء بجودة التعليم.
شُكّل التحوّل الذي شهده نظام التعليم في تركيا خلال العقدين الماضيين وفق أهداف تتمثل في التكيف مع المعايير التعليمية العالمية، والارتقاء بجودة التعليم. ومن أبرز سمات هذه المرحلة كان دمج التكنولوجيا في العملية التعليمية، حيث أُطلِقت استثمارات تكنولوجية واسعة النطاق، مثل مشروع "FATİH" بهدف تزويد الطلاب بالأدوات الرقمية، وتحديث بيئة التعليم بما يتماشى مع متطلبات العصر.
ومع ذلك، فإن قضايا الجودة والوصول في التعليم استدعت إدخال تحسينات خاصة في المدارس الواقعة بالمناطق الريفية والمحرومة. وقد برزت مسألة إتاحة التعليم بوصفه جهدًا أساسيًّا يهدف إلى ضمان فرص تعليمية عالية الجودة لجميع الطلاب.
وانعكست الإصلاحات الهيكلية في نظام التعليم التركي أيضًا على برامج إعداد المعلمين وتطويرهم مهنيًّا، إذ يُعدّ التعليم المستمر للمعلمين وتطوير مهاراتهم المهنية من العوامل الحاسمة في تحسين جودة التعليم. وفي هذا الإطار، اتُّخِذت خطوات مهمة، مثل تأسيس شبكة المعلومات للمعلمي (ÖBA) وتعزيز أنشطة التدريب في أثناء الخدمة.
ومن بين المشروعات المبتكرة التي تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب في القرن الحادي والعشرين: مشروع "STEAM" لتعزيز تعليم في المدارس، و"الخوارزمي"، و"أسبوع البرمجة-CodeWeek"، ومشروعات TÜBİTAK، ومسابقات TEKNOFEST. أُطلِقت مشروعات تُعنَى بتعزيز الوعي البيئي والتعليم من أجل الاستدامة، مثل "حركة المدارس الخالية من البلاستيك"، ومبادرة "ÇEDES"، و"رواد الطبيعة"، و"سفراء المياه".
بهدف دعم الابتكار وبحوث التطوير، أُسِّس مركز احتضان وتكنولوجيا التعليم والابتكار (ETKİM)، كما خُصّصت موارد مالية بقيمة 5.8 مليارات ليرة تركية لمشروعات البحث والتطوير التابعة لمؤسسة .TÜBİTAK ويُعدّ تشجيع تسجيل براءات الاختراع ونماذج المنفعة من بين الخطوات المهمة الرامية إلى تعزيز القدرة الوطنية على الابتكار.
وفي إطار الجهود الرامية إلى التوافق مع المعايير الدولية، تحقق الانضمام إلى برنامج إيراسموس+ وتوسيع نطاق مشروعات eTwinning. كما أُطلِقت مبادرات مهمة لدمج الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في التعليم، من أبرزها: الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي (خطة العمل 2024-2025)، ومشروع الذكاء الاصطناعي في التعليم لتعزيز الفرص (FEYZA).
لم يعد التركيز في النظام التعليمي يقتصر على تنمية المهارات الأكاديمية فحسب، بل اتُّخِذت خطوات مهمة أيضًا في مجال التربية على القيم. وتؤكد وثائق السياسات التعليمية الوطنية أن القيم الإنسانية والوطنية والروحية والثقافية تؤدّي دورًا حاسمًا في تنمية الطلاب. ويهدف هذا التوجه إلى دعم التطور الشامل للطلبة، ليس من الناحية المعرفية فقط، بل على الصعيدين العاطفي والاجتماعي أيضًا.
وفي هذا السياق، برزت أهمية البرامج، مثل: برنامج "الخوارزمي"، و"برنامج التبادل الثقافي إيفليا جلبي"، ومشروع "ERDEM"، التي تهدف إلى تنمية مهارات الأطفال في تعرّف الذات، وبناء الوعي الذاتي، وتعزيز الحس البيئي.
ومع ذلك، تواجه هذه الإصلاحات والمشروعات تحديات وانتقادات على مستوى التنفيذ. إذ إن التركيز المفرط على المركزية وتوحيد المعايير قد يؤدي إلى تجاهل الاحتياجات المحلية والخصوصيات الثقافية، وهذا يحدّ من فعالية بعض الإصلاحات.
يتناول هذا القسم مراجعة أبرز المشروعات التعليمية المبتكرة والتطبيقات التجريبية التي نفذتها وزارة التربية الوطنية التركية (MEB) خلال السنوات العشرين الأخيرة، مع تقييم نتائج هذه المشروعات، والصعوبات التي واجهتها في أثناء التنفيذ، وإسهامها المحتمل في تشكيل السياسات التعليمية المستقبلية.